جبل الصخور /بقلم علي الفوراتي

 جبل الصخور 

=====================================

٠٠٠ترعرع صابر في أدغال جبل الصخور المتاخم إلى بحر

الشمال، كانت الغابة جنته التي نما فيها وتعلم لغة الأشجار والأطيار والأحجار و حتى لغة الريح٠٠

شب على رائحة الزعتر والكليل ،قد رغيفه من الصنوبر والفرنان وزيوت الأعشاب على مثل عادة أهل المكان٠٠

يقنع بالقليل ، يصبر على كل عسير، يحمد ربه في كل وقت وحين،  لا يرد من سأله رغم العوز ولا من طلب عونه عند المقدرة ٠

وفي يوم غابت الشمس دون سابق إنذار عن سماء موطنه، 

فافتضت الكاسحات بكارة الغابة واجتثت الأشجار ووأدت الأزهار وأقيم على جثثها معامل الخشب ومصانع الإسمنت والجبس ٠٠فماتت الغابة وانحبس الهواء وفقد صابر الطعم والرائحة٠٠

لم يتقبل الكهل ما جرى، حمل ما تيسر من الزاد واتجه إلى بحر الشمال ليلقي بنفسه في أحد قوارب الموت عله يجد وراء المالح ما يرمم أوصاله ويطبب جراحه ٠٠وصل إلى الشاطئ المقابل بعد جهد جهيد ومغامرات  لا مثيل لها حتى في الأساطير ليجد نفسه في عالم هجين لا سلام ولا كلام الكل وراء القطار يسرع بالخطى ليحتل موقعا في الزحام دون الاكتراث بمن داست أقدامهم على الرصيف وما جرحت أفعالهم وأقوالهم في المسير ٠٠

اللهجة مغايرة والأرض غير الأرض والماء غير الماء والهواء غير الهواء ٠٠تأبط جوعه وحزنه وما بقي من أشلاء نفس أعياها الشوق والتوق ٠٠وعاد إلى الشاطئ ليتخذ من كوخ مهجور شيد بخشب جلب من غابته المسلوبة وتدثر ببرنس والده المنسوج من صوف النعاج الموؤودة عله يشعر بالدفء

والأمان ٠٠

وفي يوم مر به مهاجر غير شرعي وسأله : " ما حال الناس هنا؟"

فرد عليه بسؤال :" وما حال من أتيت من عندهم؟"

قال:" هم الشر بعينه لا عهد ولا ميثاق؟"

أجابه:" هنا هم أكرم وأجود َمما تتخيل"

ذهب المهاجر في حال سبيله شاكرا فضله ٠٠

وبعد مدة غير  قصيرة عاد الشاب لصابر مهموما مكلوما 

  فوجده على نفس الوضع وفي نفس الموضع وقد شاب قرناه وطرح عليه نفس السؤال فرد عليه ساكن الكوخ بسؤال :"وكيف تركت من هجرتهم؟ "

تردد الشاب قليلا ثم قال :" هم في الحقيقة ألطف ما رأيت وأجود من عرفت وأرحم من عاشرت "

فرد عليه:"هنا هم أنانيون وأشرار لا لطف ولا كرم ٠٠"

غضب الشاب وقال :" يا رجل ألا تحترم سنك!؟فكيف تجيب عن نفس السؤال بجوابين مختلفين ٠٠!؟"

أجابه مبتسما :" إذا فتحت قلبك ستتغير نظرتك إلى العالم والأشياء فكل منا يحمل عالمه في قلبه ٠٠"

وران  الصمت على المكان ٠


علي الفوراتي

القيروان /تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لا اريدك.ياسمراء /بقلم قاقا ريم

الحسود /بقلم قاقا ريم

همسات جمالية /بقلم جمال خليل