لو كنت اميرا /بقلم احمد عيسى

 لو كنت أميراً.. قصة للأطفال

بقلم/ أحمد عيسى

"صالح" غلامٌ يافعٌ، طيب القلب من أسرة فقيرة، إلا أنه يحب المال حبّاً جمّاً، كثيراً ما تحدثه نفسه بأن يجد أثناء سيره ذات مرة حقيبة مليئة بالأموال، أو أن يُرزق بفانوس سحري يحقق من خلاله جميع أمنياته في الثراء الرافه، والغنى الماتع الراتع.

وقد بلغت الأماني بـ "صالح" الرغبة في أن تهيئ له الأقدار ذات يوم أن يُصاحب فخامة أحد الرؤساء، أو جلالة أحد الملوك أو الأمراء؛ فيطلع على برامجهم ونمط حياتهم ويغترف من سعادتهم.

لقد كان "صالح" يُزجيه الفضول دائماً إلى معرفة متى يستيقظ مثل هؤلاء الملوك من نومهم، ومتى وكيف ينامون، وأي شيء يأكلون وماذا يشربون؛ ما هي ماركات ملابسهم، وهل يحملون هويات أو حافظات نقود في جيوبهم؟

بعد يوم حافل بالتنزه والسير والتمني والتطلع، عاد "صالح" إلى بيته فارتاح قليلاً، ثم تناول طعامه وشرع في استذكار دروسه.

ومع الساعة الثانية عشرة ليلاً استسلم لداعي النوم، فإذا به يرى أنه أضحى أميراً من أمراء البلاد الذين يُشار إليهم بالبنان، ويُسمع لهم حين يتحدثون، ولصفحات الصحف والمجلات الرئيسية يتصدرون، وبات مِن أولئك الذين يتتبع الإعلامُ أخبارهم في أي مكان يحلون أو يرتحلون.

وقد دار حديث بين الأمير "صالح" ومستشاره:

الأمير: هيا أعدوا لي الفطور.. مقلي دجاج ومشوي طيور.

المستشار: اليوم سيدي، بأمر الأطباء، لا فطور ولا عَشاء.

الأمير: إذن، إليَّ بالعصائر والمرطبات.. والفواكه والمكسرات.

المستشار: أمر الأمير، لكن ليس قبل التريُّض والجري، والركض والسير.

وبعد إنهاك وتعب من تمرينات الصباح..

الأمير: الآن.. عجِّل هيا أيها المستشار بالمطلوب.

المستشار: أمر جنابك، فور أن تنتهي من غُسْلِك وحمَّامِك.

الأمير: أين العصائر والمكسرات.. والفواكه والمشهيات؟

المستشار: هذه حبة كمثرى وموزة وبرتقالة، وثلاث تمرات وقَرَنْفُلَة ونصف تفاحة.

الأمير: أين أنواع التمور والأعناب.. واللوز والبندق.. وفصائل الموالح والتفاح؟

المستشار: كل ذلك يحمل مخاطر توقيناها لكم من زائد السكر وضار الأملاح.

وفي الغداء..

الأمير: هاتوا الغداء ونوِّعوه بين المسلوق والمقليات والمشويات.. ولا تنسوا السَّلَطَات والمخللات.

المستشار: أمر معاليك، هذه قطعة لحم حمراء مشويّة.. خوفاً عليك من نِقْرَسٍ وتقلُّصات معويّة.

الأمير: وما لي لا أرى السَّلَطَات والمخللات.. والفُجْل والبَصَل.. والخَضْرَاوات؟

المستشار: البقدونس فقط فخامة الأمير، فعقب الغداء وفدٌ زائر يصل بصُحبة سفير ووزير.

وفي الصباح..

الأمير: اليوم أبغي أكلَ بصلٍ أخضرَ مع فولٍ مدمس بالليمون.

المستشار: الفول والليمون خطران داهمان على قرحة المعدة والقولون.

الأمير: ما لك يا رجل لا تكاد تلبي لي طلبَ أكلٍ أو طعامٍ أو شراب؟

المستشار: هي برامج أُسر الملوك والأمراء.. كلها تحت إشراف كبار الأطباء.

الأمير: ضِقْتُ ذرعاً بإمارة وتضييق.. وبرامج نهي ومنعٍ.. وتقييد وتعويق.

المستشار: هي تعليمات لحفظ الرشاقة والحيوية.. وتمام الصحة والعافية.

الأمير: أريد الآن أن أنطلق وحدي.. مختلياً بنفسي.. لتجوالٍ ونُزهةٍ خاصّة خَلويَّة.

المستشار: مولاي، ليس قبل تجهيز العَسَس والحَرَس.. والوفد والرَّصَد.. وإشعار قائد الدوريَّة.

الأمير: حين كنتُ شخصاً فقيراً كنتُ حراً طليقاً.

المستشار: حاشاك.. ما كنتَ يوماً فقيراً قطُّ يا سيدي.

الأمير: تعساً لمُلكٍ وإمارةٍ.. وعِزٍّ ووزارة.. ورئاسةٍ وسَلْطنة وولاية.

المستشار: سيدي، سلمتم وعُفيتم.. ما لكم.. ما الأمر.. ما الخبر؟

الأمير: أريد حُريتي أطلقوا يديَّ.. مرحباً بفقرٍ طليقٍ.. وبعداً لأَسْرِ مُلْكٍ وحَبْس مَليك.

أفاق "صالح" من نومه على صوت "توك توك" يسوقه خمسيني عاشق للعندليب الأسمر الذي كان يشدو بـ:

"شفت وخداني الأماني لحد فين.. شفت بحلم بحلم قد إيه"!!

بعد أن مرَّ "التوك توك" سمع "صالح" عم "منصور" بائع الفول المتجوِّل ينادي في الحارة عليه وعلى بعض الجيران قائلاً:

الفول يا واد يا "صالح".. البليلة يا بِتْ يا نبيلة!

صالح (فاتحاً النافذة داعكاً عينيه مُدلياً بالحَبْلِ السَّبَت):

لو سمحت يا عم "منصور"، "كِيس بليلة.. وكِيسين فول".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لا اريدك.ياسمراء /بقلم قاقا ريم

الحسود /بقلم قاقا ريم

همسات جمالية /بقلم جمال خليل